الهجرة والطفل – I

لا أستطيع قضاء الكثير من الوقت مع طفلي؛ فهل سيستمر في حبه لي؟ يرى طفلي ما لدى أصدقاءه ويرغب أن يكون لديه مثلهم، ولا يمكنني تحمل شرائهم. ماذا يمكنني ان افعل؟

ربما اضطررنا فجأة إلى الابتعاد عن بلدنا، عن كل ما نعرفه. تحتوي البيئة الجديدة على العديد من المخاوف التي لا نعرفها. هذا هو الحال بالنسبة لجميع الناس. ربما نكون قد فقدنا منزلنا وممتلكاتنا، وربما فقدنا شكل الحياة التي اعتدنا عليه، وربما فقدنا قدرتنا على تحقيق وتلبية رغبات أطفالنا. كل ذلك يؤثر سلباً على إحساسنا بالأمان كآباء.

كل هذه الظروف تدفعنا نحن الآباء والأمهات إلى القلق بشأن أطفالنا، لأسباب وجيهة. قد نشعر بالقلق لأننا لا نستطيع تلبية ما يريده أطفالنا، و لا نستطيع أن نوفر لهم الظروف المعيشية القديمة في بلدنا.

للأطفال احتياجات كثيرة ومن المهم بالطبع تلبية هذه الاحتياجات. من ناحية أخرى، فإن العامل الأكثر أهمية في تلبية هذه الاحتياجات ليس امتلاك الموارد المالية الجيدة.

الحاجات الأساسية للأطفال هي الحب والأمان والأمن. وليست أغراضهم أو ألعابهم. قد يكون ارتداء ملابس باهظة الثمن أو الذهاب إلى الكثير من الأماكن الممتعة، شعوراً جيداً، ولكن، هذه ليست احتياجات أساسية للأطفال.

ربما نفد المال أو القوة ولكن أطفالنا يستمدون منا القوة من خلال معرفتهم أننا بجانبهم. الشيء الحاسم في هذه الحالة، هو رؤية حاجة الطفل إلى الثقة ومحاولة توفيرها.

بالنسبة للطفل، أن يكون بأمان يعني أن يكون في المنزل ومعنا. أهم مصدر ثقة للأطفال، هو أمهاتهم وآبائهم، الذين يحبونهم ويحمونهم، الذين يرغبون التصديق بأنهم سيكونون إلى جانبهم في جميع الظروف. من المهم جداً أن يرى الآباء والأمهات احتياجات أطفالهم من الحب والثقة وأن يبذلوا الجهود لتلبية هذه الاحتياجات لتكون الأسرة بأكملها آمنة وصحية.

إذاً ما هي الاحتياجات الأساسية للأطفال؟

يسألنا العديد من الآباء والأمهات نحن الأخصائيين النفسيين أسئلة مثل؛ “هل يتأذى أطفالي عندما لا أستطيع شراء ألعاب لهم أو عندما لا استطيع تلبية ما يطلبون مني؟” أو يكون لديهم مخاوف كبيرة مثل “لا يمكنني دائماً تلبية رغبات أطفالي بسبب وضعي المالي، فهل سيتوقف طفلي عن حبه لي بسبب هذا؟”

ولكن، من المهم للغاية أن ندرك ما تعنيه هذه المخاوف التي يحملها الآباء والامهات في عالم الطفل. حاجة الطفل الأساسية هي الحاجة إلى الحب والثقة. هذه الاحتياجات العاطفية، التي هي أكثر أهمية بكثير من تلبية الاحتياجات المادية، “لا بد منها” في حياة الطفل.

الشرط الأساسي ليصبح طفلك بالغاً سليماً وناجحاً ويمكن الاعتماد عليه هو الحب والثقة التي نمنحها له.

علاقة الطفل بوالديه هي علاقة أساسية تؤثر بشكل مباشر على نمو الطفل الجسدي والعاطفي والاجتماعي والالتزام ، وهو عامل محدد في شخصيته وسلوكه وعلاقاته وخيارات حياته في المستقبل.   بمعنى آخر، تشكل علاقة الحب والثقة بين الوالدين والطفل أساس نجاح الطفل في المستقبل. أظهرت دراسة أجرتها جامعة هارفارد أن علاقة الوالدين المحبة هي أقوى مؤشر على نجاح الطفل في المستقبل، بغض النظر عن البيئة التي نشأ فيها. George E. Vaillant. Triumphs of Experience: The Men of the Harvard Grant Study. Cambridge, MA: Belknap Press of Harvard University Press, 2012. 457 pp.

من الطبيعي أن يكون لدينا نحن كوالدين مخاوف جدية بشأن أطفالنا. يمكن أن تكون الأفكار مثل إنه من الصعب جداً فهم عالم الأطفال، حتى أنهم كائنات غير مفهومة أو أنهم لا يمكن أن يكونوا سعداء إلا إذا تم تلبية جميع رغباتهم، يمكن أن تكون مشتتة الذهن من وقت لآخر. في مثل هذه الحالات، يجب أن نتذكر ما يلي: كنا نحن، الكبار اليوم، في يوم من الأيام أطفالاً أيضاً. ما كان مهماً بالنسبة لنا في طفولتنا هو نفس الأشياء المهمة للأطفال من حولنا اليوم. لذلك، إذا أردنا أن نفهم أطفالنا، يمكننا أن نتذكر الأشياء التي كانت مهمة بالنسبة لنا في طفولتنا.

كما هو الحال في طفولتنا، فإن الاحتياجات الأساسية للأطفال اليوم متشابهة جداً. يحتاج الأطفال لأن يعرفوا ويشعروا أننا بجانبهم، وبعبارة أخرى، هم بحاجة إلى الحب والاحترام والثقة.

من أجل تلبية هذه الاحتياجات الأساسية لأطفالنا، من المهم للغاية الانتباه إلى القضايا التالية:

الحب والاحترام والأمان

من المهم جداً تطوير علاقة حب واحترام وثقة مع طفلنا من السنوات الأولى من الحياة. الحب والاحترام والثقة لا ينفصلان عن بعضهما البعض. نحن بحاجة إلى التفكير في هذه المفاهيم معاً. يبدأ الطفل في الشعور بالأمان منذ الولادة كلما رأى أن احتياجاته الأساسية يتم تلبيتها من قبل والديه أو مقدمي الرعاية الآخرين وبهذه الطريقة يبدأ في الوثوق بمحيطه. سيساهم هذا الإحساس بالأمن والأمان في تصور العالم كمكان آمن منذ الطفولة.

من خلال إضافة الاحترام على مر السنين، يمكنك تعزيز علاقة الثقة مع طفلك. يجب أن تكون كل من الثقة والاحترام متبادلة. إذا تعاملت مع طفلك باحترام وثقة وأظهرت أن هذا هو الطريق الصحيح لمعاملة الأشخاص، فسوف يُظهر طفلك الاحترام والثقة وستتحول بيئة المنزل إلى بيئة صحية.

إن معاملة أطفالنا باحترام، والاستماع إليهم عندما يحاولون قول شيء ما، والتحدث معهم بدلاً من الصراخ أو الضرب، والرجاء والسؤال بدلاً من إعطاء الأوامر، ومحاولة الإجابة على أسئلتهم، وشرح بعض الحقائق لهم بلغة يمكنهم فهمها سيزيد من المحبة بيننا ويقوي رباطنا. بينما يمكن أن تكون علاقة الحب التي لا تقوم على الاحترام والثقة ضارة، ستمنح علاقة الحب القائمة على الاحترام والثقة المتبادلين الفرصة للجميع بالنمو والتطور بشكل صحي.

من المهم جداً أن يثق طفلك بك. بالنسبة للأطفال، كما هو الحال بالنسبة لنا جميعاً، الثقة هي حاجة أساسية. يحتاج الطفل إلى أن يكبر في بيئة يشعر فيها بالأمان. البيئات غير الموثوق بها تسبب القلق وعدم الارتياح والمخاوف للأطفال. بما أن أول من يقيم مع الطفل علاقة ثقة هم والديه، فمن المهم جداً بالنسبة له الحفاظ على ثقته بهؤلاء الأشخاص وتعزيز إيمانه بأن العالم مكان آمن. ستكون الحياة صعبة للغاية على الطفل الذي لا يشعر بالأمان في هذا العالم.

يمكن أن يتم بناء وتعلم الثقة والاحترام

مثلما يمكن بناء الثقة والاحترام من البداية يمكن تطويرهما لاحقاً أيضاً. يتطلب خلق بيئة آمنة وعلاقة ثقة بذل جهد واهتمام. هناك عدد من العناصر المهمة لبناء الثقة:

  • أن تكون متواجداً عندما يكون طفلك بحاجة إلى الدعم أو الرعاية أو المساعدة أمر لا يقدر بثمن في حياته. مرافقة طفلك في طريقه من وإلى المدرسة في الأيام الأولى من المدرسة سيساعده على تعلم الطريق أو بذل جهد مع طفلك بطريقة تساعده على فهم شيء لا يفهمه يسمح له بالمجيء إليك عندما يحتاج إليها.

سيساعد ذلك على تعلم طفلك الثقة بأنك ستكون هناك عندما يحتاج إليك.

  • التزم بوعودك ودع طفلك يتعلم أن يثق في ما تقوله. على سبيل المثال، إذا وعدت الطفل بالحضور لاصطحابه بعد المدرسة أو الذهاب إلى الحديقة يوم الأحد، يجب أن تفعل كل ما في وسعك للوفاء بوعدك.

يجب ألا تقدم وعوداً للطفل في أمور تعرف أنه لا يمكنك الوفاء بها.

  • يجب أن تكون ثابت على مبدأ. على سبيل المثال، إن الموافقة في بعض الأحيان على السلوكيات التي لا نريدها ورفضها في حين آخر يتسبب في عدم فهم الأطفال لما هو صواب وما هو خطأ. التصرف كما تقول، وعدم القيام بالأشياء التي تقول أنك لن تقوم بها، أي إذا كانت كلماتك وأفعالك متوافقة مع بعضها البعض، فسيكون من السهل على أطفالك فهمك والثقة بك. هذا يمنع الأطفال من الشعور بتشويش الذهن.
  • يحتاج الطفل إلى معرفة أننا سنكون بجانبه تحت جميع الظروف والأحوال. حتى لو استخدمت جمل مثل “لقد سئمت منك”، “أنت تجعلني حزيناً، لا يمكنني التحمل بعد” ، “سأترك كل شيء ورائي وامشي” في سبيل المزاح أو إخافة الطفل لضمان اصغائه وإطاعته لك فإن ذلك يمنع إقامة علاقة ثقة مع الطفل.
  • • من الطبيعي أن تمر بلحظات تشعر فيها أنك لست على ما يرام. ومع ذلك، عليك توخي الحذر في تواصلك مع الطفل. لا يجب أن تخوض مشاجرات أو مجادلات أمام الأطفال، ويجب أن تنتبه لما تقوله عندما تكون مع الطفل. قد نعتقد أن الأطفال لا يستمعون إلينا ولا يفهموننا. ولكن، يستمع الأطفال ويفهمون ما يقال من حولهم.
  • يمكن للأطفال أن يروا ويشعروا بالمشاكل. بدلاً من إخفاء المشاكل عنهم، من الضروري شرحها بلغة يمكنهم فهمها.
  • • عند مواجهة مشكلة في الحياة، من المهم عدم اهمال احتياجات الطفل الأساسية. من المهم الحفاظ على النظام في بيئة المنزل قدر الإمكان، حتى عند مواجهة أحداث سيئة. على سبيل المثال، إذا تشاجر الوالدان أو تم فصل الأب من العمل فمن المهم تجهيز مائدة العشاء وتناول الطعام في الوقت المحدد. نظراً لأن الطفل سيضطر إلى الذهاب إلى المدرسة في اليوم التالي، فمن الضروري دعم الطفل في التحضير للمدرسة بغض النظر عن البيئة المقلقة في المنزل. هذا الموقف، الذي يضمن الحفاظ على النظام في المنزل، مهم من حيث توفير بيئة من الثقة داخل المنزل.
    • يستغرق بناء الثقة وقتاً. يعتمد إرساء الشعور “نحن معاً، نحن بأمان” على الجهد المنتظم والمستمر لبناء الثقة.

تنشأ المخاوف من عدم اليقين

لا ينبغي أن نتجاهل الآثار السلبية للخوف على بناء الشعور بالثقة والحفاظ عليه. في عالم الطفل، تنشأ أكبر المخاوف من عدم اليقين. إن إخفاء الأحداث المهمة عنهم حتى لا يحزنوا، والتظاهر بعدم حدوثها، ومحاولة إسكات الطفل إذا تم طرح الموضوع أو إذا سأل الطفل حول الموضوع سيزيد ذلك من قلقهم ويضر بشعورهم بالثقة. يمكن أن يكون الأطفال قلقين للغاية بشأن ما قد يتغير في حياتهم. استمع إلى مخاوف الطفل حتى يترسخ الشعور بالثقة؛ يجب منحه الفرصة للتعبير عن نفسه ومشاعره وأفكاره.

خيال الأطفال واسع جداً. عندما لا يتلقون المعلومات الصحيحة؛ إنهم ينتجون إجابات باستخدام خيالهم من أجل جعل النقاط التي لا يعرفونها أو يفهمونها ذات مغزى بالنسبة لهم. عندما يموت أحد أفراد أسرة الطفل، سيكون من الأصح شرح مفهوم الموت بطريقة يفهمها والتحدث مع الطفل بدلاً من إخفاء الموضوع عن الطفل. عندما لا تقوم بهذا، سيحاول الطفل تفسير هذا الحدث، الذي لا يعرفه ويواجه صعوبة في فهمه، في مخيلته وسيحاول تقديم إجابات بطريقته الخاصة.

في عالم الأطفال الخيالي، قد تكون هناك وحوش وكائنات غير عادية وأحداث خارقة للطبيعة مرعبة كما في القصص الخيالية؛ في الحالات التي لا نقدم فيها تفسيرات مفيدة للطفل حول الموضوعات التي لا يستطيع فهمها، قد يشعر الطفل بالخوف بشكل أكبر.

من الضروري مساعدة الطفل على فهم الأحداث بلغة يستطيع فهمها من خلال تفسيرات منطقية قدر الإمكان. سيتمكن أطفالنا من الوثوق بنا عندما يشعرون أنه يمكنهم إخبارنا بمخاوفهم والحصول على المساعدة في هذا الصدد.

Türkçe

İngilizce

Arapça

Farsça