ما وراء الحدود: 18 كانون الأول/ ديسمبر، اليوم العالمي للمهاجرين

بعض الرحلات نقوم بها لضرورة أو لحاجة ما. ولكن عندما يتمعّن الناس في حياتهم يدركون أنه حتى الرحلات التي ليست للضرورة قد تسبب لهم الإضطراب و التردد. حتى عندما ننتقل من حي إلى آخر نشعر بداخلنا بشيء من عدم اليقين. لكن ماذا لو كان سبب الرحلة هو الحرب أو الخطر او الإحساس باليأس؟ عندها، لن تكون هذه الرحلة خياراً، بل بسبب الحاجة. وفي معظم الأحيان لا يترك الناس وراءهم ممتلكاتهم فقط بل ذكريات حياة بأكملها.

بما أننا نحمل في داخلنا سكينة الطرق التي اعتدنا على المشي فيها وَالوجوه المألوفة التي اعتدنا رؤيتها. فإن الابتعاد، عن تلك الأصوات والخطوات التي نستأنس بها، يجعلنا نشعر وكأننا نترك وراءنا جزء من ذاتنا. ولهذا فإن مغادرتك لبلدك ليست مجرد رحلة عادية، بل هي فراق مؤلم لا أحد يختاره عن طيب خاطر. فنحن لا نترك خلفنا منزلنا فحسب بل نترك أيضاً كل الأحاسيس التي لا يمكننا حملها معنا كأحلام الطفولة وأصوات من أحببناهم وماضينا بأكمله. ويتلاشى عبقُ ملامح الحياة التي تركناها خلفنا شيئا فشيئا مع كل خطوة نخطوها. والشيئ الوحيد الذي لا يمكن للمرء التخلي عنه هو الكرامة الإنسانية، فالكرامة الإنسانية هي غاية الحياة.

يروي الفيلم السينمائي “For a Moment, Freedom” ( من أجل لحظة، حرية) للمخرج آراش ت. رياحي، حكاية هذا الفراق و ذلك السعي. حيث يروي قصصاً مختلفة لثلاث مجموعات من الأشخاص يبدؤون رحلتهم من إيران والعراق للوصول إلى أوروبا. طفل يرفض ترك يد أبيه في ليلة من البرد القارس على الحدود. وإمرأة تخفي دموعها وهي تغلق باب منزلها الذي تغادره للمرة الأخيرة. رجل في عمر الشباب يعبر الحدود والسبب ليس لإنقاذ نفسه بل للحفاظ على كرامته. لم يكن أحد منهم يبحث عن المغامرة. كل ما كانوا يتمنونه هو العيش بكرامة وإنسانية وأن يستيقظوا ذات صباح دون خوف.

تجسد شخصيات هذا الفيلم واقع ملايين من البشر في جميع أنحاء العالم. أولئك الذين يكافحون للخروج من ظلام الحرب والقمع والفقر. أولئك الذين يسيرون إلى المجهول بحثاً عن بداية جديدة… وفي تلك اللحظة يدوّي صوت الإنسانية:

“أن تحيا هو أمر أكثر من أن تكون موجوداً فحسب”.

الرحلات التي نشاهدها في هذا الفيلم تجسد واقعاً لا أحد منا يريد أن يعيشه، لكن هناك ملايين الأشخاص يعانون منه. وفقاً لإحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) لعام 2024، هناك أكثر من 114 مليون شخص نزحوا قسراً بسبب الصراعات أو العنف أو الاضطهاد أو القمع. إضافة إلى أن هذه الرحلات ليست محفوفة بالغموض فحسب، بل هناك أيضاً خطر أن يفقد المرء حياته، استناداً إلى بيانات المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، لقي ما لا يقل عن 8,565 شخصاً حتفهم أو اختفوا أثناء مرورهم بطريق الهجرة في عام 2024. اليوم هو الثامن عشر (18) من كانون الأول/ ديسمبر وهو اليوم العالمي للمهاجرين، وما يزال ملايين الأشخاص مجبرين على الرحيل بحثاً عن حياة آمنة. هذه الأرقام ليست مجرد بيانات إحصائية فهي تمثل حياة أشخاص مجهولين وعبارات لم تكتمل وأحلاماً لم تتحقق. ومع هذه الخسائر، تصبح مسالة مد يد العون أو أن نكون صوت أولئك الذين المنسيين الذين لا يملكون صوتا، المسؤولية الأهم التي تجعل منا بشراً يتحلون بالإنسانية.

اليوم هو الثامن عشر (18) من كانون الأول/ ديسمبر وهو اليوم العالمي للمهاجرين، وما يزال ملايين الأشخاص مجبرين على الرحيل بحثاً عن حياة آمنة. هذه الأرقام ليست مجرد بيانات إحصائية فهي تمثل حياة أشخاص مجهولين وعبارات لم تكتمل وأحلاماً لم تتحقق. ومع هذه الخسائر، تصبح مسالة مد يد العون أو أن نكون صوت أولئك الذين المنسيين الذين لا يملكون صوتا، المسؤولية الأهم التي تجعل منا بشراً يتحلون بالإنسانية.

على خُطى الأمل و بصوت الإنسان

ولهذا السبب تحديداً، لا نتذكر في الثامن عشر (18) من كانون الأول/ ديسمبر من كل عام الهجرة في حد ذاتها فقط، بل نتذكر أيضاً القصص الإنسانية وراء هذه الرحلات والشجاعة على القيام ببداية جديدة وقوة التضامن في الإسهام بالتعافي. إحدى المنظمات التي تدعم هذه القوة يومياً في الميدان هي جمعية التنمية الاجتماعية وتعبئة المساعدات (آسام/ ASAM).

في الوقت تستعد فيه جمعية (آسام/ ASAM) للإحتفال بالذكرى الثلاثين لتأسيسها هذا العام، تواصل الجمعية الحفاظ على التضامن في صميم رسالتها لكي يتمكن الجميع من العيش حياة تليق بالكرامة الإنسانية. واليوم تمهد جمعية (آسام/ ASAM)، من خلال مقرها الرئيسي في تركيا بالإضافة إلى فروعها الموجودة في اليونان وسوريا وأوكرانيا وبلجيكا، الطريق لتعافي الأشخاص وتعزيز قدراتهم من خلال تقديمها لمجموعة واسعة من الخدمات، بدءاً من الحماية والاستشارات القانونية، مروراً بالدعم النفسي والاجتماعي وكذلك تعزيز قدرات النساء والأطفال من خلال الأنشطة التعليمية ونشاطات تعزيز التكافل الاجتماعي وصولاً إلى توفي الاحتياجات الأساسية وتعزيز المشاركة المجتمعية.

إن ما تشعر به (آسام/ ASAM) في أعماق وجدانها هو:

على خُطى الأمل أحياناً وأحياناً أخرى صوت الإنسان
تضامناً مع كل من يحتاجون إلى يد ممدودة بالعون…